أ. جهاد الشنطي

 

 

أ. جهاد الشنطي

كلية الطب وعلوم الصحة

دائرة العلوم التطبيقية

 

في ظل الثورة المعلوماتية الهائلة الحاصلة في السنوات االخيرة ، اصبح من الصعب تجاهل وجود كل هذه التطبيقات التي تجعل الوصول الى اي معلومة يحصل في طرفة العين ،فالمعرفة محصورة بتلك الموجودة في الكتب. ومن وجهة نظري اصبح الاعتماد على الطريقة التقليدية في التعليم التي تعتمد على كتاب وسبورة و مدرس يخاطب طالبه ضمن غرفة صفية ضيقة غير مناسبا لاحتياجات جيل جديد من الطلاب، يختلف في طريقة تفكيره، يكره الحدود و يأبى أن يحصر نفسه في واجبات تقليدية. فأحلامه واسعة و اسئلته كثيرة و ارضائه صعب! ولحسن الحظ كان لعامل فرق العمر القليل بيني وبين طلابي دورا كبيرا في تعزيز التواصل معهم ، مما سمح لي بالتعرف عن كثب عن شكل التعليم الذي يحلمون به، و تعرفت على مشاكلهم في فهم وتذكر بعض المواد العلمية الصعبة من مثل الفيزياء و الكيمياء التي غالبا ما تقدم بطريقة نظرية جامدة، تدور في فلك ضيق من الامثلة التي يراها الطالب مجرد امثلة بسيطة لا تقترب من احتياجات حياته المهنية التي سيقبل عليها، فيشعر بان هذه المواد لا تحقق له اي فائدة تذكر بل و تثقل كاهله بامتحانات، فينفر منها الطالب اكثر و اكثر وينعزل بنفسه عن المشاركة و يعم السكون في المحاضرات. لكن و لأن التعليم بالمقام الاول هي عملية نقل مهارات وليس فقط معلومات هدفها مساعدة المتلقي على احداث التغيير الذي ينشده من خلال علمه، كان علي أن ابدأ بنفسي و بمساقي (الفيزياء الحيوية) الذي غالبا ما ينفر الطلبة بمجرد سماع اسمه، فكان علي أن اطور و أزيد المهارات المنقولة من و الى الطالب خلال المحاضرة ، فبدأت باعادة تصميم المنهج لكي يضم عددا من التجارب البسيطة التي كنا نقوم بها بأدوات من الغرفة الصفية نفسها و أدخلت نمط المشاركة و التعلم من الفرد لتشجيع كل طالب على اخذ فرصته في ابراز رأيه و طريقة تفكيره بالنظرية المطروحة ، و قمت بزيادة عدد الواجبات التي تحولت من حل مسألة الى التفكير بتطبيق من الحياة الواقعية يرتبط تفسيره بما تعلمناه بمادة الفيزياء الحيوية. يوم وراء يوم وبدأ حماس الطالب و ارتباطهم بالمساق و تعلقهم بالمحاضرات يزداد، ولكن كان هناك بعض القيود تمنعني من الارتقاء بالمحاضرة للمستوى الذي ارغبه بسبب عدم توفر اتصال بشبكة الانترنت بالقاعات و لبطء اجهزة الحاسوب المستخدمة، مما كان يضع سقفا لمدى التوسع المحتمل بالنقاش . لذلك بدأت بالتعرف على تقنية Moodle وادخالها كأداة مساندة للتعليم بحيث لا يكون التعلم محصورا بوقت المحاضرة الصفية بل يمتد على مدار اليوم من خلال وضع كل الاسئلة التفاعليه و التجارب التي اود ان يتعرف الطلبة عليها من استخدام لاجهزة طبية او حالات مرضية معينة تفسيرها كله مرتبط بالقوانين الفيزيائية التي ندرسها بالمساق. مع تشجيع الطالب على التواصل معي عبر رسائل موودل كي اسمح للطلبة الخجولين بالمشاركة، بالاضافة لوضع جزء من علامة للمساق على مهام الكترونية منوعة.

بدأ هذا التوجه يعطي آثاره و لاحظت ارتفاعا بعلامات الطلبة و تحسنا ملحوظا بتحصيلهم العلمي حتى عند اولئك الطلبة الذين لم يدرسوا مسبقا اي مساق فيزياء في المدارس او الطلبة من تخصصات فرعية من المهن الطبية التطبيقية. وبعد اختبار الاساليب السابقة مع حوالي 27 شعبة تم تدرسيها خلال حوالي 3 سنين ، نمت لدي امنيات بأن اتوجه الى التعليم المدمج بشكل اكثر توسعا ، و لكن كانت تعليمات الجامعة في حينها تتجه لدعم التعلم التقليدي بشكل اكبر. الى ان جاءت الفرصة اخيرا بسبب الوضع الوبائي، الامر الذي دفع الجميع الى استخدام التكنولوجيا بشكل اساسي بدلا من اعتبارها اداة مساندة . وزاد التحدي في ظل استقبال دفعة جديدة من الطلاب ، الذين التحقوا بالجامعة بظروف استثنائية جعلت بدايتهم مختلفة، فافتقدوا ميزة التواصل المباشر مع مدرسيهم، و لم ينخرطوا بالحياة الجامعية كما يجب، و وجدوا انفسهم مضطرين الى التعامل مع شاشة الحاسوب طوال اليوم كمنفذ وحيد للتعلم النظامي من الجامعة عدا عن ان تقييمهم تم بشكل غير تقليدي. هنا وجدت في هذا الظروف فرصة لبداية فصل جديد من التعليم الاكتروني الحقيقي. ولأن الانطباع الاول يدوم، كان علي ان اجهز جيدا للخطوة الاولى التي تتمثل باستقبال الطلبة وتعريفهم بالمساق. لذلك تم تجهيز صفحة المساق على موودل بحيث تكون سهلة الوصول، جذابة للعين، مليئة بالألوان وتعطي انطباعا ان المساق الذي سيدرسه الطالب لن يكون تقليديا. فاستخدمت النمط الشبكي في عرض المواضيع بحيث يكون كل ما يحتاجه الطالب موجودا امامه و ممثلا برموز و بمجرد نقرة على الايقونه المناسبة تنقله الى ما يبحث عنه. فتم وضع قسم خاص بعناوين لقاءات زووم بحيث يكون لكل شعبة رابط واحد تستخدمه طوال الفصل. و في المحاضرة الاولى عرّفت الطالب على أقسام الصفحة التي تضم كل ما يحتاجه ، بداية من خطة المساق، طرق التواصل معي، الكتاب المرجعي، المراجع الاضافية، مواقع للتمارين الاثرائية. بالاضافة الى تبويب يخص كل وحدة من وحدات المساق الستة. لاحقا، تم العمل على بناء مادة تعليمية متينة ، تستفيد من ايجابيات التعليم الالكتروني و بنفس الوقت لا تخلو من الاصالة المعرفية التي كان يوفرها التعليم الوجاهي، لذلك تم وضع تهيئة توضح الاهداف المنوي تحقيقها من كل وحدة من المساق مع الخطة الدراسية التي ينصح بها للطالب، مع وضع ملف يضم شرائح المادة التعليمية المستخدمة اثناء المحاضرات المباشرة، التي تمتاز بنمط طرح المعلومة و تعزيز ادراكها بالمؤثرات البصرية من الوان و صور مرتبطة بالواقع. عدا عن تزويد صفحة المساق فيديوهات تعليمية تغطي كل ما يحتاج الطالب لتعلمه من مهارات وتعطي للمادة ديناميكيتها التي تعطيها بريقها و تعزز من استيعابها. مع الحرص على اتباع اسلوب شرح يعتمد على حث الطالب على التفكير الاستباطي احيانا و التفكير الاستدلالي احيانا اخرى من خلال اسئلة ونقاشات منوعة تتخلل المحاضرة. بالاضافة الى وضع فيديوهات قصيرة تغطي المساق تم تسجيلها بشكل فردي للحصول على افضل جودة تقنية و نشرت على موقع محاضرات النجاح كذلك .

و لكي يحقق التعليم اهدافه كان لا بد من التأكد من سلامة المتلقي، فمن مشاكل التعليم الالكتروني هو الجفاء الانساني بسبب البعد، لذلك كنت احرص على التواصل الدوري الودي مع الطلبة عبر فيسبوك، اسالهم عن احوالهم و اقدم لهم النصح و الارشاد احيانا و الدعم المعنوي و البسمة في احيانا اخرى ، وكان لهذا دور كبير لزيادة تفاعل الطالب معي اثناء الشرح . و لفحص ان كان ما سبق قد اعطى ثماره ، كان لا بد ان تكتمل حلقة التعليم باسلوب تقييم جديد، اعتمدت فيه على التقييم المستمر الذي ينقسم الى اربع تقييمات – عدا عن التقييم النهائي- بحيث تكون مادة كل امتحان قصيرة مراعاة للطالب، و تم الاعتماد على طرح اسئلة تنمي الفكر وتراعي الفروق الفردية بين الطلبة من دون ان تلغيها، فظهرت الصور و الاسئلة الاستنتاجية التي تتطلب مهارات عقلية عليا وتتيح للطالب ان يكتب بلغته لكي يكون تقييمه حقيقيا. وبالمقارنة مع الفصول السابقة حقق هذا النمط متوسط علامات اعلى لدى الطالب. وبالنهاية بناء على ما سبق شعرت انه في هذا الفصل وصل المساق الى افضل حالاته و طوّع التعليم الالكتروني جمود الفيزياء وحولها لمساق محبب للطالب ينتظرون محاضراته بفارغ الصبر ليتعلموا الفيزياء و يتعلموا معها فهم الكون كما يجب !